الأربعاء، 26 يناير 2011

اليوم الثلاثون

*  هذه التدوينة تكملة للتدوينة السابقة

*************
   دخلت قاعة الفحص وكان عاشر الأطباء الذين زرتهم ،، آخرهم ،، هكذا قررت ، سيكون هذا الطبيب آخر من اقصدهم . أعطيته ملفي الضخم و آخر التحاليل التي أمرني بإجرائها، وقبعت انظر إليه يفك الطلاسم وينطق الحكم علي.. كانت الأفكار تتلاطم في خيالي وقلت في نفسي " هذا طبيب !!! أخصائي بحق ، لا نقاش في ذلك ، ماهر و يعرف خبايا المهنة "
لاحظت أمارات الجد و الانهماك بادية على محياه ،،سرت في جسمي رعدة ، رهبة ، يقين بأني هالك .وضع آخر ورقة من أوراق التحاليل على المكتب ،نزع نظاراته و نظر تجاهي ، و سكت ، يقولون السكوت علامات الرضى ، خطأ شائع ،السكوت علامات الموت ، أليس الشعب الساكت شعب ميت؟
طال نظره إلي ، لم يحر ردا ، تململ ، تنحنح ، تردد ثم تشجع وقال :
-         " الأمر بيد الله ، كل الأمور بيد الله..لم يبق لك إلا الله تلجأ إليه وتلح في الدعاء و التبتل ، فحسب ملفك وكمّ التحاليل هذه ، ليس لي إلا قول ما سمعته مني ، الطمع في ربي ،،، لا أظنك ستتعدى الثلاثين يوما "
-         ثلاثين !!! الأطباء الآخرون قالوا على الأكثر أربعة أشهر ومنهم من قال ستة ، و أنت الذي ظننته أحسنهم تنقص المدة إلى شهر ؟ما هذا؟؟؟
في الواقع لم أكن أعي ما أقول ، ولكني وعيت وفهت تلك النظرات ،، وعيت وفهت تلك النظرات المليئة رأفة و شفقة ،، نظرات مواساة و تعزية و قد ترجم ذلك بعد أخذه أجرة على مقابلتي هذه المرة.
خرجت من عنده تائها ، لا ادري إلى أين اذهب ، الشارع مظلم ، الناس خيالات تهرول أمامي ، كل شيء فقد كنهه قبالتي ، لم أدر لمن ألجأ ،  زخم أحاسيس يموج داخلي ، رهبة مشوبة بحنين ، خوف مغلف بلامبالاة ، وحسرة ، حسرة مريرة قد غرست مخالبها في بلعومي فتكومت عبرة خنقتني فاغرورقت عيناي... و بكيت.
مر شريط حياتي أمام ناظري ، حياتي كلها كلمح برق ، كنت أمشي و ابكي وكان المارة ينظرون إلي ، منهم من يجاوزني و يلتفت مستغربا " كبير ويبكي !!!" ، منهم من قال " مسكين !!"، أظنها فتاة شابة قالت ذلك بصوت مسموع من قبيل المواساة ، وأنها تحس بما أعانيه لأنها خاضت التجربة ذاتها أو شبيهتها  ، عذرتها لأنها لا تعلم ، و أنى لها العلم بذلك فأنا لم أبح بسري لأي كان ، وحدهم الأطباء الذين زرتهم يعلمون ولكن الأطباء ينسونك فور خروجك من عندهم ،اللهم إلا إذا لم تعطهم أجرتهم.
لم اشعر بنفسي إلا وأنا أمام المكتبة البلدية ، دخلت، اتخذت مكانا في قاعة المطالعة ، أخذت كتابا من دون اختيار ، كان للأديب مرزاق بقطاش "أبجديات" ، لم أكن ارغب في القراءة و لكني رغبت في أن أخط شيئا ، أخطط ما يجب علي فعله في الثلاثين يوما المتبقية من عمري العفن... اكتب وصية ، اعتذارا ، طلب صفح ، أي شيء ، أي شيء ينقذني من هذا التيه.
طلبت ورقة من احدهم ، كانت فتاة ترتدي حجابا وتمضغ قطعة لبان تتطرطق بين أسنانها الصلبة ،، لم أكن ارتاح لهذه البنت أياما خلت ، أما اليوم فأنا أرى فيها ما لم أكن أراه ،، أحس تجاهها إحساسا مخالفا لما عهدته ،، تظهر لي لطيفة متجاوبة ، جميلة متأدبة ، و قد أحسست فجأة أني أحبها.
ثلاثون يوما !!! لم يبق لي إلا ثلاثين يوما و أفارق كل من أحبهم ، و من أكرههم ايضا.. أكرههم !!! هل لي أناس اكرههم؟؟ لا أظن أني أكرههم.. صدقوني.. ربما كرهت منهم تصرفا لم يرقني ، كلمة أو كلمتين تفوهوا بها ، فجأة قفزت إلى ذهني ديون علقت برقبتي ، ثم تذكرت عماتي ، خالتي ، لم أزرهن منذ عيد الفطر أي قرابة العام ،، و أمي ، لقد أوصتني أن آتيها بقليل من "الحلبة" و تماطلت... و إبني ترجّاني أن أشتري له مسدسا لعبة تطلق الماء بدل الرصاص.وكنت كل مرّة ألطف من حدة إلحاحه و أشتت انتباهه إلى أشياء أخرى ..مسوف أحمق أنا ، مماطل تافه !!! و انحدرت عبرة ساخنة ارتطمت بغلاف كتاب أبجديات ، مسحتها و رحت أتأمل الكتاب... أحبه كثيرا مرزاق بقطاش هذا ، أظنني اعتبره أحسن كاتب جزائري في الوقت الراهن.
الورقة بيضاء نقية أمامي... بيضاء... كنت ورقة بيضاء ذات عمر مضى ، كنت طاهرا ، في قلبي صفاء فطري دنسته الأيام و الليالي القميئة و عكرته نفسي المهلهلة... كنت !!!
ماذا أكتب؟ بماذا أبدأ؟ الوقت قصير ، و لم افعل شيئا طيلة عمري فأنى لي اختصار كل ما أمّلته في ثلاثين يوما. فكرت ، بل حاولت التفكير، فالأفكار و الرؤى كانت تعتلج و تتناطح في رأسي المهموم... و في الأخير سطرت :
1-    علي أن أصلح صلتي بربي. أتوب إليه و اطلب الصفح و المغفرة.
2-    ألجا إلى أمي اقبّل قدميها و أتشبث بجلبابها وابكي  علها تسامحني ،، لم أكن أبدا عاقا و لكني أحس بذنب نحو أمي.
3-    زوجتي ... أحبها تلك المرأة الشفافة ، أحن عليها غير أنني متأكد أنها عانت من طباعي ، تحملتني رغم صعوبة مراسي.
4-    أبنائي... العب معهم... لم ألعب معهم منذ عصور.
5-    أقاربي ، جيراني... أزورهم واحدا واحدا .
6-    الديون !!! عددت ديوني ،، كل من لهم علي دين يسكنون بالبلدة إلا واحدا ،، و هو الذي سأقصده إبتداءا.
7-    المقبرة...سأزور أبي يوميا .
هذا ما خططته ...أطبقت الورقة التي لم تعد بيضاء ، وقمت وقد أشارت الساعة إلى الحادية عشرة و نصف ، خرجت من المكتبة وفي نيتي العودة إلى البيت للاغتسال توبة إلى الله.

...(يتبع)
Share:

الجمعة، 21 يناير 2011

لم يبق لك إلا ثلاثون يوما

"صفة الصفوة" من أمهات ما كتب الإمام أبو الفرج ابن الجوزي ، لا أمل قراءته أبدا ، كلما أحسست غلظة بقلبي ، فتورا في عزيمتي رحت أنقّب فيه عما يشحذ همتي ،، قلت أنقب؟ كلا هذه الكلمة ليست في محلها ، لأنك حيثما اتفق لك فتحه فإنك ستقرأ ما يشفي غليلك و يدفعك دفعا نحو جو إيماني رحب و يوقظ روحك إلى مكمن الداء و سر الدواء.
أصل هذا الكتاب كتاب "حلية الأولياء" لأبي نعيم الإصبهاني و قد قام ابن الجوزي باختصاره و تنقيته من كثرة الأسانيد التي ترهق كاهل القارئ و بذلك جاء ملائما لروح عصرنا
وأنا أقرأ عن الولي منصور بن زاذان ، لفتت انتباهي عبارة " لو قيل له إنك ميت اليوم أو غدا ما كان عنده مزيد " و قد تكررت هذه العبارة للعديد من الصالحين كأبي مسلم الخولاني  الذي كان يقول.. لو رأيت الجنة عياناً ما كان عندي مستزاد، ولو رأيت النار عياناً ما كان عندي مستزاد.. آخر، صفوان بن سليم، لو قيل له: غداً يوم القيامة.. ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة..
استوقفتني هذه العبارة ،،كان الواحد من هؤلاء تام العبادة ،، لو قيل له غدا ستموت لم يكن بوسعه أن يزيد شيئا عما دئب عليه من شتى أصناف العبادة ،،، صوم بالنهار...ذكر في كل وقت ،، إن لم يكن الوقت كله ،، صلاة دائمة ،، قيام ليل داوم عليه عشرات السنين و عزلة عما يتخبط فيه الخلق من أمور الدنيا إلا فيما لابد منه.
فقلت في نفسي ،، ماذا لو قيل لي أنني سأموت غدا ؟؟؟  غدا !!!   لا ، غد قريب جدا ، ليس لي حتى وقت التفكير فيما سأعمله.. لنقل بعد شهر ،، نعم ماذا لو قيل لي أنني سأموت بعد شهر ؟؟ ماذا لو لم يبق لي في هذه الدنيا سوى ثلاثين يوما ؟
يا ويلي !!! كارثة !!
كنت انوي أن أدرج هذه التدوينة ضمن تصنيف " قراءات " ، غير أني فضلت أن أخصص تصنيفا جديدا أسميه " ثلاثون يوما " أدرج فيه ما سأعمله خلال ثلاثين يوما قبل موتي ،، قبل قيام قيامتي ، أليس من مات قد قامت قيامته ؟
و إني أدعوكم أن تتخيلوا معي ،، ماذا لو قيل لكم ذلك ؟ يذهب أحدكم إلى الطبيب ، أي طبيب  قصد فحص  عادي ،، فيفاجأ أنه مصاب بمرض مزمن و أنه لم يبق له إلا ثلاثين يوما ( الشر برا و بعيد، وندعو الله العافية ) و لكن كل شيء وارد ،، ماذا لو؟ بدلا أن يخط لك وصفة طبية ، يصارحك بالحقيقة النهائية ،، لم يبق لك إلا شهرا واحدا ،، و عبثا تحاول قصد أطباء و متخصصين آخرين ،، الكل متفق. ستقوم قيامتك عند انقضاء آخر ثلاثين يوما من حياتك.
هيا تخيل معي ، وقل ماذا ستفعل ؟ ماهي أولوياتك ؟ ممن ستطلب السماح ، ومن ستسامح ؟
من ، و ماذا و كيف ؟
أسئلة كثيرة تجول بخاطري الآن ، لذا خصصت لها هذا التصنيف الذي أدعوكم أن تتابعوني خلاله و تشاركوني تخيلاتكم الخاصة.

Share:

الخميس، 20 يناير 2011

أربع مراحل للخروج من العقل

شابان جالسان في متجر.
الأول: " أتريد أن تعرف كم  مرحلة تلزمك لتخرج إنسانا من عقله  ؟"
الثاني: " كم ؟ "
"تابعني و سترى."
أتى بجهاز التيليفون و طلب من الثاني أن يختار رقما عشوائيا و اسما ، أي إسم ،"نبيل" على سبيل المثال.و دوّن الرقم في ورقة صغيرة حتى لا ينساه.
قال :" الآن ، تابعني."
المرحلة الأولى:
شكّل الرقم....رنين...رنين... و تُرفع السماعة في الطرف الآخر.
- الأول :" نبيل !! كيف.."
مقاطعة..
-" نبيل من ؟ أظنك قد أخطأت الرقم يا أخي."
- الأول :" أووه... عفوا أخي... أنا آسف.."
- "لا مشكلة...لا مشكلة أخي."
أرأيت هذه هي المرحلة الأولى... لقد ردّ عليّ بكل أدب و رقة. تابعني و سترى.

المرحلة الثانية : (بعد خمس دقائق.)
شكل الرقم ،، نفس الرقم..... رنييييييييييين...رنييييين... و تُرفع السماعة في الطرف الآخر.
- الأول: "أين أنت يا نبيل ، أنا..."
مقاطعة..
" يا أخي قلت لك الرقم خاطي..أم انك لا تريد إلا الإزعاج فقط "
الأول : أوووه ،، أعذرني ، أنا جد آسف ، أنا.."
" كفى ،كفى، يكفي" ويقفل الخط في الطرف الآخر.
هذه هي المرحلة الثانية ،، و قد بدأ الدم يغلي في عروقه ، و أنا متأكد أنه يسب و يلعن الآن.  تابعني و ستتعلم.

المرحلة الثالثة:  (بعد خمس دقائق.)
شكل الرقم ،، نفس الرقم..... رنين(مرّة واحدة فقط)... و ترفع السماعة في الطرف الآخر. و يرد صوت جاد... جاد جدا.
" من ؟"
الأول: يا نبيل ، لمــ "

مقاطعة..
- ".............................................................................."(كلام بذيء ، بذيء إلى أقصى درجة و كفريات بالإنجليزية ).
وتُقطع المكالمة من الطرف الآخر، ويلتفت الأول للثاني:
- " أرأيت ! لقد أخرجته من عقله ،، و لا شك أنه يستشيط غضبا الآن.. إذن ، يلزمك ثلاث مراحل للقيام بالمهمة "

الثاني: أظن أنك قد نسيت مرحلة رابعة.
الأول : رابعة ؟  لا يوجد مرحلة رابعة.
الثاني: بلى، يوجد... تابعني و ستتعلم.

المرحلة الرابعة: ( بعد 10 دقائق)
تشكيل الرقم....رنيييييييين...رنيييييييييين...و تُرفع السماعة في الطرف الآخر.

- الثاني:" السلام عليكم."
- " وعليكم السلام ورحمة الله تعالى و بركاته "
- الثاني: " أنا هو نبيل ، في حالة ما إذا ناداني أي واحد عندكم  ، و السلام عليكم" و يقطع المكالمة.

هي ذي المرحلة الرابعة ، و الآن ، و فقط الآن ،، يمكن أن تقول أنك قد خربشت له عقله.
 
ـــــــــــــــــــ
انتهت الحكاية ،، وأنا أدعوكم للتفكير لمدة دقيقة فقط ،،، ماذا سيجول بذهن الطرف الآخر بعد المرحلة الرابعة؟؟؟




Share:

الاثنين، 17 يناير 2011

قصة الحلاق

ذهب إلى الحلاق لقص شعره وتحليق ذقنه.... بدأ الحديث مع الحلاق في أمور عدة ، أخبار من هنا ، إشاعات من هناك ،، كل شيء و لا شيء ثم انغمسا في مناقشة جادة.
وفجأة ، تطرقا إلى موضوع وجود الله من عدمه.
 قال الحلاق: " اسمع يا أخي ..أنا لا أؤمن بوجود إله كما تزعم أنت "
" و لم ؟ " سأل الزبون .
" حسن... الأمر في غاية السهولة ، يكفيك أن تخرج إلى الشارع لتتيقن من عدم وجود إلهك هذا . قل لي ، لو كان الله موجودا ، أكنا نرى كل هؤلاء المرضى ؟ كل هؤلاء الأطفال المشردين ؟
لو كان الله موجودا ، لما وُجد الألم و لا الشقاء .  لا يمكنني إطلاقا الإيمان بإله يرضى بهذه الأمور."
 صمت الزبون برهة يفكر ، و لكنه لم يجد الحجة و الدليل المقنع للرد عليه.
أنهى الحلاق  مهمته وخرج الزبون.
 لحظة بعد خروجه من المحل شاهد الزبون في الجهة المقابلة رجلا بشعر طويل و لحية كثّة ( الظاهر أنه لم يقص شعره منذ عصور) . عاد الزبون إلى الحلاق ، دخل وقال:
-         " أتعلم ؟ الحلاقون غير موجودين ."
-         "كيف أمكنك قول ذلك؟" رد الحلاق ، ثم أردف " أنا هنا أمامك ، موجود ، و أنا حلاق "
-         " لا !! "  رد الزبون " إنهم غير موجودين ، لأنهم لو كانوا موجودين  حقا لما كان هناك أناس بشعر طويل و لحى كثة كذاك الرجل هناك في الشارع "
-         "ههه .. الحلاقون موجودون يا أخي ، كل ما في الأمر أن الأناس الذين تتكلم عنهم لا يقصدوننا "
-          " صدقت .. بالفعل...هذه هي الحقيقة " رد الزبون " هذا هو بيت القصيد... الله موجود ، و كل ما في الأمر أن الناس لا يقصدونه ، لا يبحثون عنه ، لا يتجهون نحوه و لذلك نرى كل هذه المآسي والآلام و الشرور في العالم "

Share:

الخميس، 13 يناير 2011

قصة فلورنس تشادويك

إذا أردنا التركيز على هدفنا المرغوب ، ورؤية الجائزة و كأنها اصبحت حقيقة مع إدراكنا طيلة الوقت أننا نقترب أكثر و أكثر من إنجاز الهدف المسطر، يجب علينا التمسك بما يساعدنا على شق الطريق و ستختفي من أمامنا المعوقات واحدة تلوى الأخرى وما خلناه يوما مستحيلا سيبدو لنا سهلا بسيطا.
 و الأكثر أهمية و ضرورة هو أن نُبقي الهدف نصب أعيننا ، ظاهرا ، مرئيا كما قال الحكيم رامان ، و لا نسمح بأي فتور او تذبذب داخلي أن يجانبنا... وبدون ذلك ،، بدون تصور الهدف و جعله بارزا أمامنا لا و لن نصل. و هذا هو مضمون قصة فلورنس تشادويك.

ولدت فلورنس مايو تشادويك يوم 9 نوفمبر 1918 وتوفيت يوم 15 مارس 1995. وكانت  سباحة أميركية وهي أول امرأة  تعبر القناة الإنجليزية في كلا الاتجاهين.
في 8 أغسطس 1950 ، عبرت بحر المانش في 13 ساعة و 20 دقيقة ، وحطمت الرقم القياسي العالمي  لذلك الوقت الذي كان بحوزة السباحة الاميركية إدارل جيرترود. بعد عام واحد ، عبرت تشادويك بحر المانش مرة أخرى ، من انكلترا الى فرنسا ، هذه المرة ، في 16 ساعة و 22 دقيقة ، مما جعلها  أول امرأة تعبر المانش سباحة في كلا الاتجاهين.
في الرابع من يوليو 1952 ،  كانت فلورنس  تبلغ 34 سنة من عمرها ، قد حددت هدفها في أن تصبح أول امرأة  سباحة تقطع مسافة 26 ميلا بين جزيرة كاتالينا وساحل كاليفورنيا.
عندما بدأت هذه الرحلة التاريخية ، كانت تحيط  بها عدة قوارب صغيرة  لحمايتها من هجمة قرش أو موجة طاغية أو أي أذى غير مرتقب.سبحت فلورنس الساعة تلوى الأخرى ، ولكن بعد حوالي 15 ساعة ،  ظهرت في الأفق سحابة ضباب كثيف . بدأ الشك يتسرب إلى عزيمتها وقدراتها ، فقالت لوالدتها التي كانت بأحد القوارب المرافقة  " أنا  أشك في تحقيق ذلك " .
واصلت والدتها ومدربها  تشجيعها. مؤكدين أنه لم يبق لها إلا القليل ، وما يظهر لها بعيدا ليس إلا خدعة الضباب الكثيف وما عليها إلا الاستمرار و التخلي عن فكرة التوقف.
لم تنفع تشجيعات والدتها... توقفت فلورنس.
عندما جلست فلورنس في القارب ،التفت فرأت أنها لم تبتعد عن شاطئ كاليفورنيا سوى ميلا واحدا على الأكثر.ثم أقرت لمن معها أنها لم تتوقف عن السباحة إلا لكونها لم تعد ترى الساحل المقابل لها ،، الساحل الذي كانت متجهة صوبه. وذلك لكثافة الضباب الذي حجب عن رؤية هدفها .
بعد شهرين ، تعود  فلورنس للسباحة  محاولة  تحقيق هدفها مرة أخرى. كانت هذه المرة مختلفة عن سابقاتها. قررت السباحة من جزيرة كاتالينا إلى شاطئ كاليفورنيا في مسار مستقيم لمدة 26 ميلا.  كان الضباب كثيفا هذه المرة أيضا، ولكن فلورنس احتفظت  بمخيلتها على صورة ذهنية  للشاطئ المقابل . وسبحت  وبرغم الضباب الكثيف الذي يحجب الرؤية  إلا أن الهدف  
كان منقوشا بذهنها ، وبذلك أصبحت فلورنس تشادويك أول امرأة تعبر قناة كاتالينا ، محطمة الرقم القياسي للرجال بساعتين.
لم تبرحها صورة الشاطئ الهدف لكونها ركزت على تلك الصورة المنقوشة بذهنها كهدف عليها بلوغه ،، و فعلا بلغت مرادها.
Share:

الثلاثاء، 11 يناير 2011

بذلة العرس

دخلت ومروان قاعة العرس  حيث كان الناس يتراقصون ، و بعبارة أدق ينُطُّون و يصيحون " ويــــيـــيــــيــوْ ،، يا ويــــيــــيـــيـوْ " دلالة على الانطلاق و التحرر و الزهو... أضواء تتوه جراها الأعين ...حركة و غُدو ورواح ، هذا ينادي ذاك ليرد ذاك الكرّة وينادي هذا،، آخر يومئ للعريس لكي يعلم الجميع أنه من معارفه أو المقربين منه ،، يناديه و هو يرقص و لسان حاله يقول " انظر !!!   أنا أزهّي لك يوم فرحك ، لا تنسى  تعبي هذا ومساندتي "
   وآخر يستقبل المدعوين ويوجههم " تفضلوا ،، تفضلوا " ،  مع العلم انه لا علاقة له بتاتا بالعريس  غير أن أخاه كان يدرس مع العريس ذات قرن مضى. و ما يقوم به اليوم في العرس يُعد من قبيل المعاونة  و بذلك يضمن أن عشاءه سيكون مع المعاونين و أن الناس جميعا سيقولون " نعم الرجل ذاك ،، الله يعمرها سلعة ،، لولاه لكان العرس فضيحة ،، لقد أنقذ أهل العرس ".
بالكاد وجدنا مكانا نجلس فيه ، قال مروان : " جميل !!! من هذه الزاوية سنتحكم في كل شيء ".
     صديقي مروان يحب التحكم في كل شيء مع أنه لا يتحكم في أتفه الأشياء...كانت موسيقى "الراي" تثقب طبول آذان السامعين ، و لكنهم لا يأبهون ، أليسوا في عرس ؟ ..في العرس كل شيء ممكن...
فجأة صاحت سيلين ديون... وتذكر الناس فيلم تيتانيك وديكابريو ، و إذا كنت في عرس و تبدل نوع الأغاني من "الراي" إلى " الغربي" أو الكلاسيكي فاعلم ان وقت الأكل قد حلّ.
  تقدم أحد المعاونين و صاح " هيا يا جماعة ... أربعة  أربعة " يعني كل أربعة يلتفون حول مائدة. كان بجانبي مروان و آخر لا أعرفه و إذا بأحمد يطل علينا " السلام عليكم " و جلس.
وجاء صحن "الحريرة" ساخنة و البخار يتصاعد ليزيد من حجم الشهية ، و بدأنا نحتسي و فجأة قال أحمد : " مروان ! إحذر البذلة ... الحريرة  بها الزيت، أقصد  كمّ البذلة ... أنت تعرف !!"
لم يعر أحد كلامه اهتماما غير أنني لاحظت أمارات الانزعاج على وجه مروان... واصلنا الأكل والمعاونون يتصايحون " الخبز ! هاتوا الخبز ... هناك طاولة لم تعطوها الخبز." و آخر يصيح " غراريف الماء... هل جلبتم الغراريف ؟" ..
    قد يحدث أن تُقدم لطاولة أربع سلال خبز بينما لا تعطى أخرى سلة واحدة ، الكل ينادي و يحسب نفسه القيّم على العرس ، الكل يأمر و يبدي آراءه التنظيمية و أنه كان من المفروض أن يفعلوا هكذا بدلا من هكذا ،، وأنه نصحهم بأن يزيدوا كمية ذاك الشيء و لكنهم تجاهلوه لذا سيقعون في ورطة ... وينتظر حدوث الورطة... صدّ قوني..ينتظرها حقيقة و ليس مجازا.
وجاء طاجين الزيتون باللحم ،، دائما يقدمون الزيتون بعد الحريرة ،، ثم طبق الفلفل.. وبدأنا نلتهم ما أمامنا ، مجانا !!!  وقال أحمد مرة ثانية : " لا تنسى نفسك يا مروان ! ... الزيتون !   أنت تعرف زيته و ما يفعل بالبذلة.."
هنا لاحظت أن أحد الجالسين حول المائدة المحاذية لنا قد استدار ،، لاشك أنه سمع عبارة أحمد ، ولا شك أنه سينقلها للجالسين معه و يفسرها حسب هواه. أكملنا طبق الزيتون ، وجاء البرقوق أو الحلو كما نسميه ،، ولثالث مرة يتفوّه أحمد تجاه مروان " البذلة يا مروان ،، البرقوق حلو.. و أنت تعلم آثار السكر..."
كاد مروان ينفجر غيضا ،، لاحظت احمرار وجنتيه رغم تلاعب الأنوار في الليل ...تأكدت أن البذلة ليست له و أنه استلفها من أحمد أو شيئا من هذا القبيل.وأظن أن الجالسين بجوارنا أيضا فهموا ذلك.
رُفعت الصحون و الملاعق لتتلوها الموائد... وبعد برهة سكتت الأغاني الغربية ... وصاح بلال ،، أقصد "الشاب بلال !!!" ( انت تزوجت !!) هذا ما تبدأ به الأغنية ، فأغاني الراي ليست لها عناوين .  وصرخ الجميع : "يا  وييييييييييييييوْ !!!!" ،، وقفز مروان من مكانه وهو يصيح " تقتلني !! تقتلني هذه الأغنية !! "
أقول لكم شيئا ؟ إنها لا تقتله ولا هم يحزنون... كل ما في الأمر أنه يحاول أن يبدي أنه محطم أو مدمر،، أو أن عشيقته قد تخلت عنه مثلا وتزوجت بآخر ثري ،، أو أنه مغبون وكل مشاكل العائلة تصب فوق رأسه..أو أن الدنيا قد أدارت له ظهرها و أنه غير محظوظ....أقصد...ترّهات وكلام فاض..هذا كل ما في الأمر. تقتلني !!!!  إنه حتى ليس له عشيقة ، وهو أصغر إخوته الخمسة... وكلهم ذوي مناصب... وأنه عاطل عن العمل وليست له أدنى مسؤولية في بيتهم.. ولا يعلم من أمور إدارة البيت إلا الأكل و النوم... ف ق ط.... الأكل و النوم ومشاهدة التلفزيون آلاف الساعات في اليوم.   تقتلني !!! ....كذب.
 وقام الجميع يرقص ، يقفز ، يصيح  فقد امتلأت البطون ولابد للأرداف أن تهتز. وكان من بين الراقصين مراهق ثمل يتراقص متمايلا ، متثاقلا ،مبالغا في إبداء ثمالته ولا شك أن الأغنية تقتله هو أيضا ، المسكين !! . الأمر الأكيد أنه قد شم رائحة خمر في منعطف ما وجاء يجري ليبدي للناس كم هو كبير وناضج ومتمحّن.
قام أحمد ، واتجه نحو مروان الذي كان منتشيا في غمرة الرقص و أنغام الأغنية التي تقتله..و رأيته يومئ له بيديه ... ومن خلال الإشارات فهمت أنه يحذره من نسيان نفسه والقيام بحركات قوية  مفاجئة بذراعيه خشية أن  يمزق البذلة أو يملؤها عرقا . كان يتكلم معه و الراقصون يرقصون وينظرون اليهما ، كل الناس كانت ترى ما يحدث ،، كل الناس علمت ما حدث. البذلة ليست لمروان بل استلفها من أحمد أو شيء من هذا القبيل.
غضب مروان... لا نقاش في ذلك... غضب .. وقال لي هيا لننصرف. فلم أمانع وخرجنا وسرد لي الحكاية في طريقنا... فعلا قد استلف البذلة من أحمد. و بينما نحن نمشي لحقنا ابراهيم  يلهث
وقال لمروان :" لقد أخطأت يا مروان ..نعم ،، لقد أخطأت ، لماذا تتعامل مع ذاك الكلب..النذل ،
ما الذي بينكما؟ لقد رايته يتكلم ويهذر عن شيء يخص بدلتك أو.. لست أدري "
لم يقل مروان شيئا.
أردف ابراهيم : " لا تكررها يا مروان أرجوك ،، إن احتجت لأي شيء فلا تقصد أحدا.. أنا هنا يا مروان... أخوك هنا...  أتترك أخاك وتقصد ذاك الرخيص ؟  أنا أكره ذاك الحمار."
قال مروان : " ok  إبراهيم".
وافترقنا ، ومرت أيام ،، وتبعتها أيام أخر، ودُعينا لعرس آخر ... لا يهم  من هو صاحب العرس.. جلسنا حول مائدة ،، مروان ببذلة أنيقة ، أنيقة جدا  جدا وأحمد ليس هنا معنا  ليعكر صفونا ولكن إبراهيم حل مكانه ،، و جاءت الأطباق ... وبدأنا نأكل ... وفجأة يصيح إبراهيم " مروان ! كل ، كل ولا تخجل... ليس للخجل مكان هنا...كل يا مروان ...نحن هنا "
لم يكن مروان خجولا يوما  ما في حياته، أنا اشهد على ذلك. وحمدت الله على  أن خالد لم يحرج مروان مثلما فعل يوما أحمد. الظاهر أن خالد "رجل والرجال قليلُ "...على الأقل هذا ما فهمته من خلال كثرة حديث مروان عنه.
بعد برهة صاح خالد مرة أخرى " كل يا مروان ،، لا تهتم لشيء ،، إن كنت تحمل هم البذلة ، فالله (يلعن أبوها) ، يحيا الرجال..."
" كل يا مروان ،،، وحتى لو غمست كمها في الزيت . لا يهم ،، تلك البذلة ثمرة عمل الرجال  "
كان خالد يصيح و مروان كالنعامة قد دس وجهه في الطبق...وقد دسست وجهي أنا كذلك... خجلت وخجلت وخجلت ، أقصد أ ُحرجت كثيرا ،  و كم تمنيت أن تكون لي قوة فارفع جسمي وأخبط جثتي بالحائط من شدة الخجل... غير أنني تنفست الصعداء لأن الأكل قد فرغ و بدأ الناس يرقصون ،، ومروان معهم. سريع النسيان مروان هذا.
   لم أقم لأرقص ، ليس لأني مؤدب أومترفع عن جمع الحثالة التي ترقص أمامي ، إطلاقا ، سيما نوع الغناء كان يقززني ويبعث في رغبة  في القيء . كنت جالسا  بجانب خالد ،، وبدأ خالد يصيح بأعلى صوته ""  هيا يا مروان ..جيد !!! جيد يا مروان ... نعم هكذا ..ارقص يمينا ...أرقص شمالا.. اقفز.لا يهمك لا البذلة ولا أي شيء..قطّع لها جدّها ...نحن لسنا كبعض الأنذال ...أرقص يا مروان ... إملأها عرقا ... بهدلها....فهي ثمرة عمل الرجال ...لعن الله الأنذال "
وفهم كل الراقصين الحادثة ،،والعازفين عن الرقص كذلك فهموا.. فهم الجيران وجيران الجيران ،، وفهم أهل البلدة كلهم علاقة خالد بمروان. وفهم العريس أن مروان قد استعار بذلة من  خالد.
مسكين  صديقي مروان !!!

Share:

الاثنين، 10 يناير 2011

قصة الصخرة

    يحكى قديما عن ملك  كانت في إحدى طرق مدينته  صخرة ضخمة تعرقل سير المارة . قام الملك يوما بالاختباء قصد مشاهدة المارة  و كيف يتصرفون تجاه وجود هذه الصخرة، فربما أخذت أحدهم الغيرة وحاول إزاحتها عن الطريق.
   حدث أن مر العديد من الأثرياء ورجال البلاط و الحاشية غير أنهم حادوا جانبا عن الصخرة وواصلوا سيرهم كأن لا وجود لها.
    زار الكثير من الناس الملك يلومونه على عدم الاهتمام بطرقات مملكته ، غير أن لا أحد حاول أو حتى فكر في فعل شيء قصد إزاحة الصخرة.

استمر الحال سنينا عدة إلى أن جاء يوم ، مر فيه فلاح فقير معدم و على ظهره حملُ خضار ، توقف برهة أمام الصخرة ، وضع عن ظهره الحمل ، وراح يدفع الصخرة عن الطريق  ، يدفع بكل ما أوتي من قوة. بعد لأي و مشقة ودفع ٍ مستمرٍ تمكن من إزاحتها من عرض الطريق. وعندما هم برفع حمولته لاحظ وجود كيس ملقى في الطريق حيث كانت الصخرة.
كان الكيس مليئا بنقود ذهبية و به  رسالة من الملك مكتوب بها  " هذا المال ملكٌ لمن يزيح الصخرة عن الطريق".
 وبذاك تعلم الفلاح ما لم يتمكن الكثير من فهمه. كل عقبة تعترض مسار حياتنا تحسن شرطا من شروطها.
Share:

الأربعاء، 5 يناير 2011

قصة القط المتشرد


و سستتبعك السعادة !!!
    
    قط متشرد  يتسكع في الطرقات باحثا عما يسد رمقه .  عند منعطف ما يقابل قطة صغيرة لطيفة المظهر منهمكة في الدوران حول نفسها لاهثة تحاول مسك ذيلها . تدور وتدور المسكينة جاهدة بكل ما في وسعها من سرعة  لمسك ذيلها القصير الناعم . وقف القط المتشرد و سألها :
-         " ماذا دهاك يا قطتي  ؟  ماذا تفعلين ؟ "
   توقفت القطة الصغيرة  عن الدوران و ردت بفخر  " لقد تعلمت أن  البهحة و السعادة و النجاح إلى جانب الحظ السعيد يكمنوا في رأس ذيلي ، وما علي إلا المسك بطرف ذيلي لأحصل على ذلك كله "
    تبسم المتشرد ورد عليها: " لقد أدمنت الطرقات و الأرصفة ، و تعلمت مثلك أن  البهجة  ، السعادة ، النجاح و الحظ كما قلت في طرف ذيلي ، و لكن ، عليك أن تعلمي أنني إذا لم أطارد ذيلي واكتفيت بالعمل و الكدّ  جهدي دون الإهتمام به فإن الحياة السعيدة ستظل دائما تتبعني حيثما حللت. انظري !!! ذيلي دائما ورائي و سيظل دائما يتبعني أينما ذهبت ، لذا أنا لست بحاجة لمطاردته. "
ليست السعادة مكانا ولا زمانا و لا حتى شيئا نملكه . انه حدث نحدثه.. الوسيلة لذلك هي  أن نكف عن القلق. وبدلا من ذلك ننهمك فيما سخرنا الله له و نعمل بكد و إخلاص فيما وُكّلنا به  ، و حينذاك ، بعد العمل بجد وإخلاص نية ستتبعنا السعادة  كذيل القط المتشرد.

Share:

قصة بائع القبعات

بائع القبعات
" طبعة جديدة "
كان بائع القبعات عائدا من السوق نحو بيته ، في طريقه مر بغابة و كون الجو كان حارا قرر أخذ قسط من الراحة في ظل شجرة ، ترك جانبا سلة قبعاته وراح يغط في نوم عميق.
     بعد ما يقارب الساعة استيقظ جراء صوت ما فلاحظ خلو سلته من كل القبعات. سمع أصوات قرود تنط فوق الشجرة، رفع رأسه فهاله جمع القرود و قد وضعوا قبعاته كلها على رؤوسهم.
   جلس مكانه وراح يفكر في الطريقة التي تمكنه من استرجاع قبعاته ، فكر و فكر و راح يخدش رأسه و يضرب جبينه علّ فكرة ما تنبثق من دماغه المنهك... بينما هو كذلك لاحظ أن القرود كانت تقلده... ضرب جبينه مرة أخرى ...فعلت القرود مثله...عندها قام ونزع قبعته ، نزعت القرود القبعات من على رؤوسها . أخيرا جاءته الفكرة . رمى بقبعته أرضا ...فتبعته القرود و رمت القبعات و بذا استرجع قبعاته كلها.
إذا شعرت أنك قد سبق و قرأت هذه القصة من قبل...فإني أدعوك لقراءة المزيد !!!    
     خمسون سنة خلت ، يرث حفيده خالد المهنة  ويصبح بائع قبعات بدوره ، يرث من جده كل طرق البيع و حيله كما يرث حكاية القرود هذه . في يوم حار يمر خالد بنفس الغابة كما جده ، يقيل تحت نفس الشجرة تاركا سلة قبعاته بجانبه . يفيق بعد حين ليجد سلته فارغة فيتذكر حكاية جده و لا ينهك فكره ، فقد فعلها قبله جده ،، ضرب رأسه و جبينه فلاحظ أن القرود تقلده. قام فرحا بفكرة جده متيقنا من نجاعتها ، و رمى قبعته أرضا غير أنه تفاجأ... القرود لمّا تزل مزهوة بقبعاتها...
   قفز قرد من على الشجرة ، رفع  قبعة خالد من على الأرض ، نفضها و قال "  أتظن أنك الوحيد الذي يملك جدا "

Share:

الأحد، 2 يناير 2011

قصة الشرنقة


 لقدأدرجت في تدوينة سابقة ، قصة كزانتساكيس الروائي اليوناني وكيف تعجّل خروج الفراشة من شرنقتها ،، و هاهي ذي قصة ثانية عن شرنقة أخرى ،، أعتقد أن لنا دروسا عديدة نتعلمها من  الشرانق.

 وجد رجل شرنقة فراشة ، وفي أحد الأيام ظهرت على الشرنقة فتحة صغيرة ، جلس لعدة ساعات يراقب الفراشة وهي تصارع  الشرنقة جاهدة لإخراج جسمها من تلك الفتحة الصغيرة . ثم ظهر له أن الأمور توقفت و لم يحدث أي تغير وبدا له أنها لن تستطيع فعل أكثر مما فعلت.

   لذا قرر أن يساعدها ، أحضر مقصا وقص قليلا من الشرنقة موسعا بذلك الفتحة  فخرجت الفراشة بسهولة بعد ذلك. ولكنها كانت ذات جسم صغير منتفخ و جناحين ذابلين ملتصقين .
   واصل الرجل مراقبة الفراشة  متوقعا في كل لحظة أن يتحرر الجناحان ويتوسعان  ليتمكنا من دعم الجسم الذي بدا يتضاءل مع مرور الوقت.
  لم يحدث ذلك أبدا..بل..قضت الفراشة ما بقي لها من عمر تحبو بجسد صغير منتفخ و أجنحة ذابلة . و لم يكن أبدا بمقدورها الطيران.
  ما لم يفهمه هذا الرجل ، رغم رقته و حنوه ، أن ضيق الشرنقة و صراع الفراشة و مجاهدتها للخروج  من تلك الفتحة الضيقة هو الطريق الأمثل الذي حباها الله به كي يفرز جسمها سوائل إلى جناحيها بحيث ينفرجا و يشتد تماسكهما حال خروجها من الشرنقة.

  في بعض الأحيان يكون الصراع و المشقة اشد ما نحتاج  إليه في حياتنا وذلك كي نتمرس و تتصلب عيداننا  ... و إلا قبعنا مشلولين  غير قادرين على الطيران .







Share: