الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

sans zet curieux*

 
  يحدث كثيرا أن تستيقظ في صبيحة مغبّشة كارها كل شيء، وربما قد تتساءل: لماذا استيقظت؟ ليتك واصلت الحلم ...ليته لم ينقطع..تقول هذا في نفسك ليس لحلاوة الحلم بل للذة النوم ومرارة ما سيقابلك في يومك الأغبر.
هكذا كان حال إبراهيم اليوم...قام من نومه ناقما على الوجود كله...قام تاركا زوجته تشخر، حمل محفظته اكسسوار شخصيته وخرج من بيته..عند نهاية الزقاق سمعها تناديه فاستدار ليفهم من خلال إشاراتها أن الزيت قد نفذ وعليه أن يُحضر قارورة عند عودته.
في طريقه ...وفي لحظة هاربة من وقته المقرف في هذا اليوم، قرر ان لا يذهب للمدرسة..فدرس الظواهر الميكانيكية قد القاه على التلاميذ ملايين المرات...القاء هذا الدرس اصبح في حد ذاته ظاهرة ميكانيكية.
مر على ما يسمى مكتبة الحي...اقتنى جريدة كان مكتوبا بصفحتها الأولى عن "التقاعد" واشترى أربع سجائر غولواز و دخل المقهى.
لكل مقهى مرتادوه...كان عند المدخل ذاك الكهل المنهمك في حل الكلمات المتقاطعة والذي يكره أن يسبقه احد لمكانه المفضل هذا...أقصد عند المدخل، وفي العمق من المقهى شابان يحتسيان القهوة ويضحكان بصوت مرتفع.
جلس ابراهيم قبالة الكهل دون أن يلقي سلاما على أحد، وفي انتظار تلبية طلبه فتح الجريدة، ألقى نظرة خاطفة على محتوياتها...وبعد أن لبى النادل طلبه، وبعد ان تناول وجبته..وبعد أن التهم سيجارته الأولى، وفي اللحظة التي بدأ قراءة مقال "التقاعد" دخل الشابُ الظريفُ ممشوط ُالشعرِ.
وقف الشاب الظريف في منتصف قاعة المقهى واشار للنادل بيده، تلك الإشارة الدالة على طلب قهوة مضغوطة جدا...ثم استدار يبحث في تردد عن مكان يجلس فيه وفي الأخير اختار مكانا غير بعيد عن ابراهيم ...غير أنه بعد لحظات، وكأن منظر إنسان يقرأ قد جذبه أو ربما حُب فضول ما دفعه أو ربما ذاك الذي يسمّونه دودٌ قد أثار مكانا حميما في جسمه فجعله يقوم من مكانه ويجلس مع ابراهيم في نفس الطاولة...رفع ابراهيم رأسه متفاجئا ناظرا للظريف نظرة مسطّحة.
- السلام عليكم.
- سلام...رد ابراهيم
لم يكن ابراهيم قد أتم قراءة الجملة الأولى من المقال بعد.
- أرجو أن لا أكون قد شغلتك عن القراءة أو أن جلوسي معك قد سبب لك أدنى إزعاج.
هز ابراهيم رأسه نافيا وابتسامة باهتة على محياه ثم أخذ نفسا عميقا من سيجارته الثانية وأكب برأسه في الجريدة يعيد قراءة الجملة الأولى. تنحنح الشاب الظريف في مكانه قليلا كأنه يريد تثبيت جسمه على الكرسي أكثر فأكثر وقال : لا تنزعج أخي ، أريد أن أسألك سؤالا Sans zet curieux
دون أن يرفع ابراهيم نظره من الجريدة هز رأسه ان تفضل.
- Sans zet curieux...هل أنت أستاذ؟؟ أقصد هل تعمل في التعليم؟
- نعم يا اخي..نعم..انا في التعليم.
رد عليه إبراهيم..ثم أعاد قراءة حروف الجملة الآولى وذهنه شاردا بعيدا، او قريبا لأنه كان يقرأ وتفكيره منحصر في هذا المخلوق الجالس بجانبه...أعاد ابراهيم قراءة الجملة الأولى للمرة الحادية عشرة قائلا في نفسه " من أي مجرى نتن طلع لي هذا البني آدم ، صدق من قال ان المصائب لا تأتي فرادى"...بدت على ثغر ابراهيم ابتسامة استهزاء ...كان ابراهيم يضحك على نفسه إذ كيف سّولت له نفسه التفكير في عبارة " المصائب لا تأتي فرادى" فالعبارة هذه ليست في محلّها هنا ابدا.. 
بينما كان ابراهيم يكرر الجملة الأولى من المقال دون تركيز، كان الشاب الظريف يجول بنظره في الطاولات وانحاء المقهى ، ربما كان يفكر في سؤال آخر..وكان الكهل الذي كلمتكم عنه في الفقرة الخامسة يسترق النظر اليهما بين الفينة والأخرى.
- Sans zet curieux خويا.. و غي pour savoir شحال راك تصوّر في الشهر؟
كان هذا السؤال كالصاعقة ...سقطت الصاعقة على رأس ابراهيم فرفع رأسه من على الجريدة...الرجل الكهل سابق الذكر كذلك رفع رأسه عن جدول الكلمات المتقاطعة...نظر ابراهيم للشاب الظريف، تأمل شعره الممشوط جدا، ركزّ فيه النظر كأنه يريد تفتيش ما يقبع بداخل هذه الجمجمة المزينة بهذه الفروة الشّعرية اللمّاعة... "يهمك كثيرا امر شهريتي؟؟؟" قال ابراهيم وارتشف رشفة من زجاجة "توجا" ووضعها على الطاولة مركزا نظره على الموجود قُبالته.
- لا والله ، ولكن مجرد حب معرفة فقط ، Sans zet curieux يعني.
- في هذه الحالة أقول لك اجرتي تكفيني والحمد لله، أرى أن هذا الرد مناسب أليس كذلك؟
ثبّت الكهل نظارتيه الغليظتين واستأنف حل كلماته المتقاطعة، وعاد ابراهيم لجملته التي لم تنته بعد..أما الشاب الظريف فاكتفى برشفة من قهوته المضغوطة جدا .
بعد مرور لحظات صمت اراد الشاب الظريف النطق لكنه تردد على طريقة عادل إمام...ورغم أن ابراهيم كان يبدو غارقا في القراءة إلا انه لاحظ اللقطة...لاحظ اللقطة ولعنه في سره، لعنه وشتمه وابدى تقززه من طريقة تسريح شعره، بل ضربه بصفعة أردته صريعا، وتكوم الناس حولهما ..و و..و . كل هذا حدث في سره.
- Sans zet curieux خويا، والله غي اسمحلي Sans zet curieux هل أنت متزوج؟
- نعم انا متزوج..نعم..هل يزعجك كوني متزوجا؟
- ههههه، أبدا لا يزعجني ، بالعكس تماما، كل ما في الأمر هو أنني فكرت في حال من يعمل في التعليم وهو متزوج..أقصد الظروف الإجتماعية في أيامنا هذه لا تساعدنا على تأدية مهامنا على أكمل وجه..
لم يأبه ابراهيم لكلامه، ونظر حوله كأنه يريد تغيير المكان وفي اللحظة التي اطبق فيها الجريدة التي لم يتمّ قراءة جملة واحدة منها، وهمّ بالقيام نطق الشاب الظريف:
- Sans zet curieux هل زوجتك تعـــــْـ
عند حرف "العين" ، وبالتحديد عند السكون الظاهر عليها اختلط السافل بالعالي...لم يفهم الشاب الظريف شيئا وذهبت تسريحة شعره أدراج الدماء...رفعه رفعة تلتها ضربتا زجاجة "توجا"، جعلت الدم الممزوج بالمشروب ورديّ اللون مسفوحا على أرضية المقهى الزلجة.
خرج ابراهيم من المقهى تاركا الجريدة مطبقة والجملة الأولى غير مقروءة، والناس ملتفين حول الشاب الظريف....والكهل يحك رأسه بحثا عن مرادف كلمة هاربة.

ــــــــــــــــــــــــــ
*sans zet curieux: عبارة تُقال في الدارجة الحزائرية، تعني "دون فضولٍ منّي"
Share:

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2016

الصلاة على الرسول بين الذكر والفعل


تصنيف جديد ندرجه اليوم ضمن هذه المدونة سميناه "تساؤلات" وهو بالأساس عنوان صفحتنا الخاصة بالفايسبوك.
نبدؤه بتساؤلاتنا حول الصلاة على الرسول.
*****
-"يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم" البقرة 254
- " يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" آل عمران200
- " يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله ورسوله ولا توَلوا عنه وأنتم تسمعون " الأنفال 20.
آيات عديدة مشابهة لهذه الآيات الثلاث. حيث تبدأ الآية بنداء للذين آمنوا ثم حثٌ على فعل ما.
هل تنفيذ أمر الله هنا هو أن نكرر ما اُمرنا به قولا ونجعلها وردا نكرره صبحا ومساء؟؟؟
مثلا في الآية الأولى:
هل تنفيذ الأمر هو أن نقول ( أنفقنا مما رزقنا الله...أنفقنا مما رزقنا الله) ونظل نكررها؟؟؟؟ ونكون بذلك قد استجبنا لأمر الله وطبقنا ما أمرنا به....فقط بالقول؟
ونفس الشيء بالنسبة للآيتين اللاحقتين وكل آية فيها أمر بهذه الصيغة.

إذن
===
لماذا في الآية التي يأمرنا الله فيها بالصلاة والتسليم على النبي نكتفي بالقول والثرثرة والغناء؟؟ مع انها جاءت بنفس صيغة الآيات السابقة؟
يقول الله تعالى:
"إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"
هل المطلوب هنا هو القول لفظا "اللهم صل على النبي وسلم عليه تسليما"؟؟
هل المطلوب هنا هو المسارعة بالتلفظ بــ" صلى الله عليه وسلم" كلما ذُكر اسم النبي؟؟
أم أن هناك فعلا ما علينا القيام به مثل الآيات السابقة الذكر والتي جاء فيها الأمر بنفس الصيغة؟

Share:

الخميس، 24 نوفمبر 2016

مقدمة للكيتش

مقدمة للكيتش

1-  المفهوم

2-  تعريف الكيتش

3- الإنسان الكيتش

*****

1-  المفهوم


لكلمة "كيتش" أصول  ألمانية ولكن يبقى اشتقاقها مبهما ، هناك ثلاثة آراء لشرح معناها.

أ/-  رأي يقول أن الكلمة تُعدُّ تحويرا لكلمة "سكاتش" حيث أن سكان مدينة ميونيخ لم يكونوا يحسنون نطقها. ميونيخ المدينة الألمانية الأولى التي دخلت فيها الكلمة حيّز التداول في ستينات وسبعينات القرن التاسع عشرة.كان  السوّاح وخاصة الأمريكان يستعملونها  للدلالة على التذكارات الرخيصة التي يقتنونها.
ب/- رأي ثان يقول انها مستقاة من الفعل (verkitschen) والذي يعني " جعلُه قابلاً للبيع" .
ج/- الرأي الثالث هو ما قال به Ludwig GIESZ و المتمثل في أن مصدر الكلمة هو الفعل kitschen  والذي يعني " لملمة القمامة من الشارع"، أما آبراهام مولس فيقترح نفس المصدر غير انه يقدم شروحات اخرى للمعنى، حيث يعطي للفعل kitschen  معنى "الترقيع" و يحصر المعنى تحديدا في عملية انتاج أثاث جديد باستعمال أثاث قديم، اما الفعل verkitschen فيعطيه معنى " بيع شيء بدل الشيء المطلوب تحديدا" ولا يرى ان الكلمة قد تحورت من الانجليزية.
    مهما كان مصدر الكلمة فإن لها حقلا دلاليا واسعا ويمكن تطبيقه على عديد من ميادين الفن:  ما المعمار، الأدب، النحت، السينما، الموسيقة والرسم سوى بعض هذه الميادين.
  رغم أن كلمة الكيتش متداولة عالميا، إلا ان مرادفاتها تختلف من لغة لأخرى. مثلا في اللغة الفرنسية نجد كلمة (camelote) نسبية الاستعمال تدل على رداءة نوعية بعض المواد الكيتش.
في اللغة الإسبانية هناك كلمة cursi ذات المعنى الجد متقارب مع كلمة الكيتش. 
في اللغة الروسية   كلمة  poshlust  تكاد تعني الكيتش، على الأقل في كتابات نابوكوف ،أما في اللغة البرتغالية فيذكر مولس كلمة piries .
....يتبع

Share: