الثلاثاء، 22 فبراير 2011

الرجال مواقف

هذا موقف من مواقف البطولة  التي يزخر بها تاريخنا ..و البطولة أنواع اقلها قولة حق أمام من تخشاه  أو من ترجوه... و قد تحدثت في تدوينة سابقة عن رجال لا يهمم متى يموتون فلو قيل لهم  غدا ما كان بوسعهم أن يزيدوا على ما هم عليه من عبادة و استقامة...... و رجلنا هذا ،، صاحب القصة هذه  ... قمة شامخة من هؤلاء.
 لما قدِم هشام  بن عبد الملك البيت الحرام قال لخاصَّة أهله : التمسوا لنا صحابيا من أصحاب رسول الله ، قالوا له : إن الصحابة قد تلاحقوا بربهم واحدا إِثرَ آخر ، حتى لم يبق منهم أحد .
 في عهد  الخليفة هشام بن عبد الملك لم يبقَ من أصحاب النبي أحدٌ ، قال : إذًا فمن التابعين.
  أوتيَ له بأحد التابعين ،  فلما دخل عليه خلع نعليه بحاشية بساطـه ، وسلَّم عليه من غير أن يدعوَه بأمير المؤمنين ، وخاطبه باسمه دون أن يكنيه ، وجلس قبل أن يأذن له بالجلوس ، فاستشاط هشامُ غضبا حتى بدا الغيظُ في عينيه .
 قال : ويحك ، ما حملك على ما صنعت ؟
 قال : وماذا صنعت ؟
 فقال الخليفة : خلعت نعليك بحاشية بساطي ، ولم تسلِّم عليَّ بإمرة المؤمنين ، وسمَّيتني باسمي ، ولم تكنِّني ، ثم جلستَ من غير إذني .
 فقال التابعي بهدوء : أما خلعُ نعليَّ بحاشية بساطك فأنا أخلعها بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات في المسجد ، فلا يعاتبني ربي ، ولا يغضب عليَّ ، وأما قولك : إني لم أسلِّم عليك بإمرة المؤمنين فلأن جميع المؤمنين ليسوا راضين بإمرتك ، وقد خشيتُ أن أكون كاذبا إذا دعوتُك بأمير المؤمنين ، وأما ما أخذته عليَّ من أني ناديتك باسمك ، ولم أُكنِّك ، فإن الله عزوجل نادى أنبياءه بأسمائهم ، يا داوود ، يا يحيى  يا عيسى ، وكنى أعداءه بألقابهم ، قال :
تبّت يدا أبي لهب و تب -1-   [سورة المسد]
هل هناك أوضح من هذا ، أما قولك : إني جلست قبل أن تأذن لي ، فإني سمعت أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب يقول : إذا أردتَ أن تنظر لرجل من أهل النار فانظر إلى رجل وحوله قوم قيام بين يديه " ، فكرهتُ أن تكون أنت ذلك الرجل ، رأسا جلست ، فأطرق هشامُ إلى الأرض خجلا ، ثم رفع رأسه وطلب منه أن يعظه .
 قال : إني سمعتُ عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : إن في جهنم حيَّاتٍ كالقلال ، وعقارب كالبغال ، تلدغ كلَّ راعٍ لا يعدل في رعيته ، ثم قام وانصرف ".
كان ذاك التابعي : طاووس بن كيسان . عبد لا يخاف في الله لومة لائم ، مخلص ، وصادق ، ويبتغي وجهَ الله تقع هذه الكلمات موقعا حسنا في نفوس الخلفاء .... الإنسان الصادق يخرج الصدق من قلبه على لسانه  فيجعل اللهُ عزوجل لكلامه تأثيرا .
Share:

0 التعليقات:

إرسال تعليق