الأربعاء، 30 مارس 2011

كلب الله

تصنيف جديد أحدثته اليوم أسميته " الفوائد"،  ليس لي فيه إلا الإختيار فهو عبارةعن مقتطفات مما قرأته و نال إعجابي ، إرتأيت أن يشاركني فيه زوار المدونة ، بحيث ينتقلون فيه من روضة إلى روضة ، و من زهرة إلى زهرة ، و بقدر لا يكون عبئا عليهم.

  أملي أن لا أكون ثقيلا على قرائي و أن تكون إدراجاتي ذات مردود و فائدة للجميع.

بسم الله نبدأ هذا التصنيف

******

 في كتابه " ثمار القلوب"

قال الجاحظ : يروى أن النبي- صلى الله عليه و سلم -  قال لعتبة ابن أبي لهب " أكلك كلب الله" فأكله أسد، و في هذا الخبر فائدتان: إحداهما أنه ثبت بذلك أن الأسد كلب الله، و الثانية أن الله تعالى لا يضاف إليه إلا العظيم من جميع الأشياء من الخير و الشر، أما الخير فقولهم "بيت الله" و "أهل الله"و "زوار الله"و "كتاب الله"و "أرض الله"و "خليل الله"و "روح الله" و أشباه ذلك.
وأما الشر فكقولهم: دعه في لعنة الله تعالى و سخطه و أليم عذابه، و دعه في نار الله و سقره.
Share:

الثلاثاء، 29 مارس 2011

تقليد المعلم

وليد شاب ذو أخلاق حسنة، يحب شيخه حبا مشوبا بالاحترام و الإجلال ، قرر ذات يوم أن يراقبه بدقة  و يلاحظ  كل حركاته ، نظراته ، لفتاته ، كلامه وصمته ، و كل ما يصدر منه  موقنا أنه إذا قلده في كل ما يعمل سيجني جراء ذلك  علمه و حكمته.
من عادة الشيخ لباس الأبيض ، وهكذا كان لباس وليد و لم يفارقه البياض.
الشيخ نباتي لا يأكل أبدا اللحوم ، قاطع وليد كل ما له صلة باللحم و اكتفى  بالخضروات و الحشائش متبعا بذلك حمية قاسية.
كان الشيخ زاهدا متقشفا ، تقليدا له قاطع وليد النوم على سريره و اكتفى بلحاف مهترئ .
بعد مضي بعد الوقت ، لاحظ الشيخ تغير سحنة وليد و سلوكه فسأله عن أمره.
قال : " أنا في سيري نحو المقامات  السامية " ، " بياض لباسي دلالة على الطهروصدق مقصدي ، اكتفائي بأكل الأعشاب يبعد الأسقام عن جسدي و مجاهدتي في اجتنابي رفه العيش بنومي على لحاف بال يقوي سلطان روحي ".
أشعت من ثغر الشيخ بسمة العارف ، مسكه من يده و انطلق به نحو البرية حيث كان هناك حصان يرعى في المروج

" أهدرت كل هذا الوقت يا ولدي لاهثا تبحث فيما هو خارج عن نفسك ، هذا لا يجدي من الأمر في شيء البتة" قال الشيخ ذلك و أردف " انظر هناك ، هل ترى ذاك المخلوق ؟ حصان ابيض اللون ، لا يأكل إلا حشاش الأرض ،، لا ينام إلا فوق التراب ، هل ترى في وجهه وجه حكيم أو عارف ؟ أم انك ترى فيه الشيخ المعلم؟"
Share:

السبت، 26 مارس 2011

حجرة الفيلسوف

انتهى إلى سمع احدهم ، أن احد الكيميائيين أضاع نتيجة سنين جهده في الصحراء المجاورة ، و كانت هذه النتيجة عبارة عن حجارة سحرية تسمى حجارة الفيلسوف. الحجارة هذه لها مفعول خارق للعادة إذ بإمكان مستعملها أن يحول أي شيء يلامسه الحجر  إلى ذهب خالص ثمين.

مندفعا برغبة ملحة للثراء والغنى، قرر هذا الرجل الذهاب للصحراء بحثا عن حجر الفيلسوف . وكون هذا الحجر لا يعلم كنهه إلا من أضاعه ،  بدأ صاحبنا يلملم الأحجار كيفما اتفق له ذلك ، فكان كلما رأى حجرا  حمله و فركه على قفل حزامه.

و يمر عام ، و يليه آخر ولم يحدث شيء، ولكن الرجل لم تخر عزيمته  و لما يزل  في عناده و رحلته  بحثا عن الحجر السحري، وواصل رحلته بطريقة آلية حيث لم يترك كثيبا ، ولا تلة و لا جبلا إلا و بحث فيه ململما الحجرة تلوى الأخرى ، و كلما رفع حجرة فركها على قفل حزامه عل و عسى تحدث المعجزة و يتحول القفل  ذهبا ، غير أن محاولاته  كلها باءت بالفشل .
وفي ليلة ، ودون أن ينتبه لما حدث ، قبل نومه تفاجأ برؤية قفل حزامه و قد تحول إلى ذهب براق.
ولكن، أي حجرة حولت القفل إلى ذهب؟؟  هل حدثت المعجزة صباحا أم مساء؟ وكم استغرق التحول من وقت؟ في الواقع، مذ بدأ رحلته ومشقة التحقق من جهده، حدث شيء آخر ، ما كان قد بدأه من بحث عن شيء واضح وهدف محدد تحول إلى مهمة ميكانيكية، روتينية ،  تمرين ممتع لا هدف له .
ما كان قد بدأه كمغامرة مثيرة تحول  مع مرور الوقت إلى واجب ممل…  و الآن وقد تحول قفل حزامه ذهبا  لم تعد بين يديه أي وسيلة للعثور على الحجرة الحقيقية ، لقد اتبع الطريق الحق غير أنه فشل في رؤية المعجزة التي كانت في انتظاره.

Share:

الجمعة، 25 مارس 2011

حبابة

 سبق وأدرجت في هذا التصنيف "حب وحنين " تدوينة ذكرت فيها  حنين الحبيب إلى سابق عهده  وحبيبه الأول الذي تقبع ذكراه أبدا راسخة مهما تغير الزمن و تبدلت الظروف ، وها أنذا اليوم أدرج حبا آخر... نوعا آخر.

******

أحب الخليفة يزيد بن عبد الملك مطربة اسمها "حبابة " ، جميلة من  بنات المدينة المنورة، كانت بارعة في الضرب بالعود، شاعرة أيضا و كان اسمها العالية.
ولكن الخليفة هو الذي اسماها حبابة. وقال يوما لمن حوله : خلافتي و أموالي لا تساوي شيئا إذا لم اشتر حبابة هذه.... و اشتراها.
فجاءه أخوه مسلمة بن عبد الملك يلومه على الإسراف في الشراب و على قضاء الليل يستمع إلى المغنيات و يرى الراقصات و ينشغل عن أمور الدولة. وقال له: يا أخي انك جئت بعد عمربن عبد العزيز ذلك الخليفة العادل الفاضل و أنت غافل عن الظلامات و لا تسمع شكاوى الناس و لا تراهم.
ووعده الخليفة بان يكف عن الشراب ، وظل أياما.ولكن حبابة عرفت ذلك فاتفقت مع الشاعر الأحوص أن يقول شعرا في ذلك و له ألف دينار. ودخل الاحوص و استأذن في أن ينشده شعرا.. فأذن له فقال:
             بكيت الصبا جهدي فمن شاء لامني......ومن شاء اسى في البكاء و اسعدا
            واذا انت لم تعشق ولم تدر ما الهوى......فكن حجرا من يابس الصخر جلمد
             فمــا العيش إلا ما تلذ و تشتهي.........وان لام فيه ذو البيــــــــــــان وفندا
مكث الخليفة أياما لا يرى حبابة و لا يناديها ولا يدعوها إلى مجلسه، فلما كان يوم الجمعة قالت حبابة إلى بعض جواريها: إذا خرج أمير المؤمنين إلى الصلاة فأعلمنني. فلما أراد الخروج إلى الصلاة قالت قلن لحبابة. فتلقته و العود في يدها و غنت البيت الأول للشاعر الأحوص:
بكيت الصبا جهدي فمن شاء لامني...... ومن شاء أسى في البكاء و اسعدا
فغطى الخليفة وجهه وقال: لا تفعلي... ولكنها مضت تغني:
فما العيش إلا ما تلذ وتشتهي... وان لام فيه ذو البيان و فندا
قال الخليفة : صدقت والله...قبح الله من لامني فيه ، يا غلام مر أخي أن يصلي بالناس.
وأقام معها يشرب و تغنيه، ثم قال لها: من قال هذا الشعر؟
قالت الأحوص ، فأحضره و أمر له بأربعين ألف درهم.
يقال أن الخليفة سافر بها إلى الشام وطلب من حاشيته أن يتركوهما معا..لا يدق بابه احد، ولا ينقل إليه خبر من أي نوع... و شرب و شربت و أكلت رمانا فوقفت حبة في حلقها ، وشرقت وماتت.
فرفض أن يدفنها ثلاثة أيام حتى تغيرت و تعفنت، وهو يشمها و يلقي عليها الخمر ثم يشربه. وعابوا عليه ذلك قائلين أنها جيفة، فوافق على غسلها ودفنها و حملوه إلى قبرها وجلس فوقه يبكي، وأمر بنبش قبرها ليرى وجهها وكان وجهها قد تآكل تماما.
وقالوا: ألم تر بشاعتها؟ قال : أبدا ، لم أرها أجمل من اليوم !!
وظل كذلك حتى جاء أخوه وأقاربه و أبعدوه بالقوة.وعاد حزينا عليها ومات بعد أسبوعين... ليدفنوه إلى جوار قبرها !!!

Share:

الثلاثاء، 22 مارس 2011

هل أنت جزرة، بيضة أم طحين بُن ٍ ؟

زارت امرأة شابة أمها  وكانت حديثة عهد بالزواج، وبدأت تسرد عليها حجم معاناتها و قتامة عيشتها رفقة أهل زوجها و أنها لا محالة ستصاب بجنون أو انهيار عصبي إن استمر نمط عيشها المرير بنفس الوتيرة، و أفصحت لامها عن جهلها و قلة حيلتها تجاه ما تكابده و تتجرعه من قسوة و أنها تعبت وضاقت ذرعا من تصديها للمشاكل تباعا.
كانت البنت تحكي و الدموع سيل منهمر على خديها ، و أمها جبل شامخ لا يتزعزع يستمع لطفلة غريرة. بعد أن أنهت البنت سردها أخذتها الأم إلى المطبخ دون أن تنبس ببنت شفة. أخذت ثلاث أواني وملأتهم ماءً.
وضعت في الأولى جزرة ، في الثانية حبة بيض و في الثالثة حفنة طحين البن و أشعلت النار و تركت الماء ليغلي دون أن تنطق بكلمة واحدة. بعد حوالي عشرين دقيقة أخرجت الجزرة و البيضة ووضعت كلتيهما في صحن وأفرغت القهوة في وعاء خاص.

التفتت الأم نحو ابنتها و سألت: " قولي لي ماذا تلاحظين ؟".
ابتسمت البنت مستغربة وقالت :" جزرة و بيضة و قهوة !!!".
قربت الأم الأواني للبنت وقالت لها : "تحسسي الجزرة " فعلت البنت ما طلبته أمها، تحسست الجزرة فوجدتها  دافئة طرية و رخوة.

" خذي الآن البيضة و قشريها ".
فعلت البنت ، ولاحظت أن البيضة مسلوقة بشكل جيد. و أخيرا قدمت الأم لابنتها وعاء القهوة وسألتها أن تبدي ملاحظتها. فعلت البنت ووجدت أن للطحين البن مذاق رائع و رائحة عطرة زكية.
سألت البنت : " كل هذا شيء جميل، ولكن ما الغرض يا أمي ؟ ".
أوضحت الأم أن كلا من هذه الكائنات خضع لنفس الظروف ،كل منها غلى عليه الماء إلا أن رد الفعل كان مختلفا . كانت الجزرة يابسة وبعد غليانها في الماء لانت و أصبحت طرية ، البيضة كان لها قشرة رقيقة تحمي السائل بداخلها وبعد غليانها في الماء تصلب ما بداخلها و استحال يابسا بعد سيولته ، أما طحين البن فكان مزيجا متجانسا فريدا و بعد غليانه في الماء ذاب فيه وأعطاه لونا ورائحتا وطعما.
ثم سألتها : " من من هؤلاء تكونين؟ حينما تدق المحن بابك ، كيف يكون تصرفك ؟ هل تكونين جزرة، بيضة أم طحين بُنٍ؟
فكري في هذا يا ابنتي ، من أكون؟ جزرة تبدو قوية خشنة و سرعان ما تنهار و تلين فاقدة قواها كلما هاجمها طارئ أو صادفتها ظروف لا تليق ؟ 
 هل أنا بيضة ذات قلب سائل يتغير وفق الحرارة؟ هل بداخلي روح سائلة شفافة سرعان ما تتجمد و تقسو كلما أصابتها مصيبة ، ألم ، أو أي طارئ لا يوافق هواي؟
أم أنا طحين بن ؟ أغير لون الماء إذا اشتدت حرارته ، أهبه من لوني و أعطيه شذى زكيا و طعما رائقا.
إذا كنت مثل طحين البن فإنك في أسوء حالاتك ستغيرين ما حولك و تعطيه أجمل ما فيك."
فكري في هذا يا ابنتي، كيف تتعاملين مع المحن و الشدائد، هل تتصرفين مثل الجزرة، البيضة أم طحين البن؟.

Share:

عظام الأجداد

يحكى عن ملكٍ اسباني كان شديد الافتخار بأصله و أجداده و كان شديد القسوة تجاه رعيته، في يوم كان مسافرا رفقة أفراد ٍ من حاشيته وفي طريقهم عبر احد حقول الأراغون حيث مات أبوه في معركة  سنينا قبل ذلك، صادف في طريقه رجلا منهمكا في التفتيش على شيء ما بكومة كبيرة من العظام.

" ماذا تفعل هنا أيها الشيخ؟" سأل الملك.
رد الشيخ :" كل الشرف لكم يا جلالة الملك !   فور علمي بقدومكم قررت لملمة عظام أبيكم و تقديمها لكم لعلمي بفخركم الكبير بأصولكم،  فأكون بذلك قد أسديت لكم خدمة جليلة عربون ولائي لكم " و أردف " و لكن كما ترون  و أرى ، لا فرق هنا بين العظام كلها، سيان عظام الفقراء و المتسولين، الرجال و النساء، الشرفاء و الوضيعين، الأحرار و العبيد "
Share:

الأحد، 20 مارس 2011

طريقة النمور

اتيتكم اليوم بقصة عن التواكل و اتبعتها بقصة أخرى من كتاب كليلة ودمنة موضوعها " اسباب الرزق" سبق و أن قرأتها في منتدى "لاإعاقة مع الإرادة " .

*******
القصة الأولى
بينما  كان رجل يمشي في غابة رأى ثعلبا مشلولا، توقف متسائلا " أنى لهذا الثعلب المشلول إطعام نفسه ؟"
  في تلك اللحظة، اقترب نمر يحمل فريسته بين فكيه. أكل النمر إلى أن شبع و ترك ما تبقى أمام الثعلب، تعجب الرجل مما رأى وفكر " إذا كان الله يساعد الثعلب، و يتدبر له في رزقه على هذا النحو  فحتما سيساعدني أنا كذلك كوني أكرم مخلوقاته "
عاد  الى المنزل، أغلق على نفسه بابه متيقنا أن إلهه لن يتخلى عنه و سيرزقه كما رزق الثعلب .
مرت أيام و لم يحدث شيء...و حينما خارت قواه  بفعل الجوع و أصبح عديم القدرة حتى على القيام  بدا له  ملاك  و ألقى في روعه :
"لماذا قررت تقليد الثعلب المشلول؟ انهض من سريرك، التقط أدواتك  واتبع سبيل النمر !".
*******
القصة الثانية
 يروي بيدبا الفيلسوف قصة عن أربعة نفر اصطحبوا في طريق واحدة، أحدهم ابن ملك والثاني ابن تاجر والثالث ابن شريف ذو جمال والرابع ابن أكَّار(عامل)، اجتمعوا في موضع غربة لا يملكون إلا ما عليهم من الثياب وقد أصابهم ضرر وجهد شديد.
فاختلفوا في أمر الرزق فقال ابن الملك إن القضاء والقدر هما سبب الرزق، وقال ابن التاجر بل العقل، وقال ابن الشريف إن الجمال هو سبب الرزق، أما الأكَّار فقال بل هو الاجتهاد في العمل.

وحينما اقتربوا من مدينة يقال لها مطرون اتفقوا على أن يذهب كل منهم يوما ليتكسب رزقا لهم بما ذكر من أسباب.


 الإجتهاد

 بدأ الأكَّار فسأل عن عمل يكتسب منه قوت أربعة نفر فقيل له الحطب، فاجتهد فاحتطب وجمع طنا من الحطب فباعه بدرهم واشترى به طعاما، وكتب على باب المدينة: (عمل يوم واحد إذا أجهد فيه الرجل بدنه قيمته درهم).

هذا هو الدرس الأول من القصة، فالأكَّار التمس الرزق في دراسة أحوال السوق حسب التعبير المعاصر، فسأل عن أكثر الأشياء ندرة وأكثرها طلبا من الناس فسعى للبحث عنه، ثم قام بالعمل وأجهد نفسه حتى يحصل على طلبه.
واجتهاده في طلب الرزق يعد من كياسته وحكمته، فالتماس الرزق يكون بالسعي في تحصيله بالأسباب المقدرة له كل حسب علمه وطاقته وجهده أي بما لديه من مؤهلات، سواء بالعمل الزراعي أو التجاري أو الصناعي أو اليدوي أو حتى من خلال الوظيفة الإدارية، المهم هو إعلاء قيمة السعي في طلب الرزق تطبيقا لقول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)

الصدفة
 

وفي اليوم التالي انطلق ابن الشريف ليأتي المدينة، ففكر في نفسه وقال: أنا لست أحسن عملا، فما يدخلني المدينة؟ ثم استحيى أن يرجع إلى أصحابه بغير طعام، وهمّ بمفارقتهم فأسند ظهره إلى شجرة عظيمة، فغلبه النوم فنام. فمر به رسام فرأى جماله فرسم صورته ومنحه مائة درهم، فكتب على باب المدينة: (جمال يوم واحد يساوي مائة درهم).


وهنا تلعب الصدفة وحدها دورا في جلب الرزق مع هذا الرجل الذي لا يحسن عملا ولا يجهد نفسه، وكأننا أمام نموذج يتكرر في عالمنا المعاصر من أشخاص يساق لهم الرزق دون اجتهاد كاختبار وابتلاء لنا؛ حيث نصادف العديد من الناس الذين ولدوا وفي أفواههم ملعقة من ذهب ورثوا مالا عن ذويهم دون بذل جهد منهم أو نجد أناسا يلعب معهم الحظ دورا في ثرائهم فنعتقد أن الأمور تجري بالحظ أو بالصدفة أو أن المواصفات الشكلية وحدها هي سبب الرزق، ولكن هذا الرزق هو عرض مؤقت، فالجمال لا يلبث أن يزول، والتجربة لا تلبث أن تكشف الشخص المفتقر للمهارات والاجتهاد، فلا ينبغي الالتفات عن الاجتهاد إلى الحظ والصدفة أو التركيز على المظهر بدل الجوهر لمن أراد رزقا دائما.

العقل والحيلة
تستكمل القصة البحث في أسباب الرزق؛ حيث ينطلق ابن التاجر ذو العقل والذكاء في اليوم الثالث فيبصر سفينة على الساحل محملة بالبضائع ويسمع من تجار المدينة خطتهم في مقاطعة الشراء ذلك اليوم حتى تكسد بضاعة أصحاب السفينة فيعرضونها على التجار بسعر أرخص فيذهب هو لأصحاب السفينة ويتفق معهم على الشراء بأجل مظهرا أنه سيذهب بالبضائع لمدينة أخرى فلما سمع التجار بذلك ساوموه على الثمن وزادوه ألف درهم على الثمن الذي اتفق عليه مع أصحاب السفينة فكتب على باب المدينة: (عقل يوم واحد ثمنه ألف درهم).

وهنا لعبت الحيلة والدهاء دورهما في جلب الرزق، وكذلك التاجر المحترف هو من يتعرف على قواعد إدارة السوق ويحسن استغلال الظروف ويتحين الفرص.

مع الأخذ في الاعتبار أن الذكاء ليس الطريق الوحيد للرزق، فكثيرا ما رأينا أذكياء يعانون شظف العيش لعدم اجتهادهم أو استثمار طاقتهم أو قلة سعيهم، وربما يتفوق الأقل في الذكاء عليهم في الثراء لحسن استغلالهم لمهاراتهم وإمكانياتهم.

فالفقر ليس سببه الغباء والذكاء ليس سبب الغنى (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)

القضاء والقدر


وفي اليوم الرابع كان دور ابن الملك الذي يعتقد أن الرزق كله بالقضاء والقدر فوقف على باب المدينة وتصادف في هذا اليوم موت ملك المدينة ولم يجد أهلها من يخلف ملكهم فلعب القدر دورا في اختيار أهل المدينة لهذا الشاب ليملكوه عليهم بعد أن عرفوا أنه ابن ملك، وأن أخيه سلب منه ملكه فخرج هاربا من بطشه، وأثناء مراسم تتويجه طاف المدينة ورأى على بابها العبارات التي كتبها أصحابه فكتب تحتها "إن الاجتهاد والجمال والعقل وما أصاب الرجل في الدنيا من خير أو شر إنما هو بقضاء وقدر من الله عزّ وجل، وقد ازددت في ذلك اعتبارا بما ساق الله إلي من الكرامة والخير".

قد يتشابه ما حدث لابن الملك مع ابن الشريف في كونه مصادفة لا بالعقل ولا بالاجتهاد ولكن ما ذكره أحد الرعية في المدينة لابن الملك ينفي ذلك؛ حيث كان يعرف والده معرفة جيدة ويعرف عن الفتى علمه وعقله فقال له "الذي ساق الله إليك من المُلكِ والكرامة كنت أهلا له، لما قسم الله تعالى لك من العقل والرأي"، وأكد له أن ذلك لا يتعارض مع كون الرزق كله بقدر الله فأسعد الناس في الدنيا والآخرة من رزقه الله رأيا وعقلا.

فالإيمان بالقضاء والقدر لا يغني وحده عن طلب الرزق فقد مرَّ سفيان الثوري ببعض الناس وهم جلوس بالمسجد الحرام فيقول: ما يجلسكم؟ قالوا: فما نصنع؟ قال: اطلبوا من فضل الله ولا تكونوا عيالا على المسلمين.

وهو نفس ما ذكره الفاروق عمر حين قال (لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة).

إسناد الأمور لأهلها


أما الدرس الأكبر الذي تقدمه القصة فيتمثل في مبدأ إداري هام، وهو إسناد الأمور لأهلها، وتولية الأكفأ، وهذا ما فعله ابن الملك بعد توليه الحكم؛ حيث أرسل إلى أصحابه الذين كان معهم فأحضرهم فأشرك صاحب العقل مع الوزراء، وضمّ صاحب الاجتهاد إلى أصحاب الزرع، وأمر لصاحب الجمال بمالٍ كثير ثم نفاه كي لا يفتتن به.

فقد درس جيدا مؤهلات كل منهم، وأسند إليه مهام تتفق مع إمكاناته ومهاراته وهو ما يعرف بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وهو إن دل على شيء فإنما يدل عن علم وعقل وحكمة ابن الملك، وأن اعتقاده نفسه في أن الرزق بيد الله وقدره هو أيضا من حسن الإدراك والتوكل على الله مع الأخذ بالأسباب.

لكن يبقى مع هذا أن القصة جعلت الاجتهاد في طلب الرزق في المنزلة الأدنى، وهو أمر لا يمكن تبريره إلا إذا فهمنا محاولة الأكار على أنه سعي لطلب رزق الكفاف دون اجتهاد في بلوغ أسباب الرزق، وكأن الإنسان عليه أن ينظر للأبعد ويحسن استثمار طاقاته المستقبلية بشكل إيجابي، لا أن يركز على قوت يومه فقط، وأن يسعى للأفضل ويخطط لمستقبله ومستقبل أبنائه (إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس).


Share:

الجمعة، 18 مارس 2011

الحنين إلى الحبيب الأول

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى...... ماالحب إلا للحبيب الاول
كم منزل في الارض يألفه الفتى.......وحنينه أبـدا لأول منــــزل

يعتبر هذان البيتان من أشهر ماقال أبو تمام في الحب وربماكان محقا في ذلك فالقلب مهما ذاق من الهوى يحن دائما للحبيب الأول لأنه أول حب وأول إحساس ودائما لأول الأحاسيس وقع في النفس وأول كل شيء دائما لاينسى أبدا.
يروى أن معاوية بن أبي سفيان تزوج بإحدى الشاعرات المفوهات و نقلها من البادية إلى حياة القصور في دمشق فكانت لا تكف عن الحنين إلى حياتها البدائية ، حياة البداوة و الحرية و الإنطلاق ،برمالها و طعامها و كلابها و صحاريها و الحب الغائب.
في أحد الأيام سمعها على حين غفلة منها تقول :
للبس عباءة و تقر عيني       أحب إلي من لبس الشفوف
وبيت تخفق الأرياح فيه       أحب إلي من قصر منيف
وبكر يتبع الأظعان صعب    أحب إلي من بغل زفوف
وكلب ينبح الأضياف دوني   أحب إلي من هز الدفوف
وأكل كسرة من كسر بيتي    أحب إلي من أكل الرغيف
وخرق من بني عمي ثقيف   أحــب إلي من علج عنيف.
كان ما سمعه صدمة له، إذ كان يظن أنه قد استولى على قلبها و لكنه سرعان ما أحس بفشله و أن ملكه لا يساوي عندها لقمة عيش في خيمة ، أو نباح كلب يلاحق طيفا ، فسألها: إن كانت تريد العودة إلى أهلها.
فقالت : و لك الشكر والمنة.
فقال لها : ما رضيت ابنة بجدل حتى جعلتني علجاً فالحقي بأهلك فمضت إلى كلب وابنها يزيد معها.
وعادت سعيدة إلى خيمتها التي تخفق الأرياح فيها ، و قبع معاوية في قصره بحسرته التي لا قرار لها.
تلك كانت الشاعرة ميسون بنت حميد بن بجدل الكلبية ام يزيد.
يروى كذلك أن في الكتاب المقدس سفر أسمه "نشيد الأنشاد"و هو من أجمل الأسفار ، فالعبارات فيه شاعرية تذوب رقة و حنانا ، تذكر فيه قصة حب راعية غنم اسمها "شولاميت". كانت شولاميت تحب راعيا مثلها ولكن جنود سليمان أخذوها بالقوة إلى قصره.
رغم الأبهة والجمال في القصرفإنها ظلت على عهدها تحن لحبيبها الأول ، راعي الغنم. قصة حب رائعة ، ملك يضم إلى حريمه راعية غنم ، و الراعية هذه لا تطيق فراق حبيبها ولا يبهرها لا الملك و لا القوة و لا العرش و ابهته.
كانت شولاميت  هذه  أول فتاة تتمرد على السلطة ، أول رافضة في التاريخ لا تؤمن إلا بالقلب و الحب.




Share:

الاثنين، 14 مارس 2011

قصة الوزيرين

كان للملك وزيران ، يملك احدهما قلبا كبيرا صافيا  وللثاني قلب  ضيق حرج مكبل بقيد الحسد وسم الغيرة . و بينما كان الأول ذو منطق سلس وروح شفافة كان الثاني ذو طبيعة ضبابية و مزاج عكر ، و من الطبيعي ان لا يكن الوزير الحسود إلا البغض و الحقد تجاه الوزير الأول و يتصيد له الفرص للوشاية به و زعزعة مركزه لدى الملك ، غير ان الوزير الطيب كان على اتم علم بما يدور في مخيلة الحسود و لكنه لا يهتم لذلك و لا ينبس بنت شفة لأي كان.
في صبيحة يوم من ايام الله المتتالية ،اقتاد الجنود رجلا مقيدا إلى الملك. و حين السؤال عن سبب عرضه على الملك، قال قائد الجند : " لقد أهان هذا الرجل جلالة الملك ، و نعته بكل صفات الظلم و الجور و السيطرة "
امر الملك أن تقطع راس الرجل المسكين فورا. كان الوزيران ضمن الحضور ، و حين لبى أحد الجنود الأمر و ذهب للإتيان  باحد الجلادين ، كان المسكين يتمتم تجاه الملك .
وكون الملك كان بعيدا حيث لا يمكنه سماع ما يتمتم به المحكوم عليه بالموت ، طلب من وزيره الطيب :" بماذا يتمتم ؟  أيتوسل إلينا ؟"
القى الوزير الطيب نظرة إلى وجه الرجل الممتقع  الذي جف منه ماء الحياة  و قال:" سيدي ، يا ايها الملك العادل ! إنه يدعو لك ،، إنه يقول إن الله يحب الرجل الحليم الذي يتمالك نفسه ساعة الغضب  و يغفر للناس اخطاءهم "
كان هذا الرد بلسما ازال غضب الملك و اسعده ، و جعله ينسى إساءة الرجل و يعفو عنه.
لنعد الآن لوزيرنا البغيض ،هو كذلك سمع تمتمة الرجل ، سمع كم الشتم و السب الذي تلفظ به. و كان يعلم ان الوزير الطيب قد نقل للملك عكس أقوال الرجل ، لذا فكر أن يغتنمها فرصة لينتقم منه قائلا في نفسه " لو كشفت اكاذيبه الآن سيتلقى اكبر إهانة من الملك ومن يدري ، فلربما عاقبه و بذلك انال الحظوة و القرب بدله ". ثم لم يتمالك نفسه لينطلق من حيز الفكرة إلى التطبيق  ليقول : ليس من العدل و الحكمة أن ننطق أمام جلالة الملك بغير الحقيقة ،  سيدي !!  لم تكن تمتمات هذا المجرم إلا سبا لحضرتك العلية و شتما لشخصك "
غضب الملك لسماعه ذلك ، غلى الدم في عروقه  و ألقى نظرات حقد تجاه الوزير الحسود الذي ظن أنه بلغ منيته و أن الملك غاضب جراء كذب الوزير الطيب. غير أن وقوف الملك خيب كل ظنونه حيث قال : " أنا أفضل الكذب الذي اسعدني على الحقيقة التي تفوهت بها. اتعلم لم؟  لأنه كذب علي بحسن نية و مقصد جليل ، أما انت ، فقد دفعك لفضحه الغل الكامن في صدرك و الغيرة الجاثمة على قلبك. الا تعلم انه من الأفضل تجنب الحقيقة إذا ما كانت ستجر فتنة ؟"
طأطأ الوزير رأسه خجلا . و أردف الملك قائلا: " مندفعا بطيبة قلبه  كذب علي الوزير  ليتجنب اهراق دم هذا المسكين ، ولم نلمس في ما قاله غير الإحترام و الولاء لجلالتنا ، اما أنت فقد كانت نيتك الشر المحض ، رغبت في موت هذا المخلوق كما لم تبد لنا اي احترام بترديدك ما قاله من سب  و شتم لجلالتنا " .
امر الملك بإطلاق سراح الرجل المقيد ليعود لأهله و أثاب الوزير الطيب على حسن صنيعه و حكمة منطقه بينما طرد الوزير الآخر شر طردة.

و هذا هو جزاء من يحفر حفرة لأخيه.
Share:

الجمعة، 4 مارس 2011

فردة الحذاء


لا تأس على ما فات و لا تحزن ، فلا الحزن سيعيده و لا الأسى سيخفف عنك ألم الفقدان  و إن علمت أن ما فاتك ذهب لغيرك فافرح فلربما جلب له السعادة ، فالفرح سلوك إيجابي إن لم ينفعك فلن يضرك... و ليكن غاندي قدوتك في هذا المجال حسب قصته هذه أو بالأحرى موقفه.

يُحكى عن المهاتما  غانـدي أنه  كان يجري بلهفة  للحاق بقطار ...وبينما القطار يسير و عند صعوده  سقطت من قدمـه إحدى فردتي حذائه فما كان منه إلا أن خلع الفردة الثانية وقام برميها بجوارالفردة الأولى على سكة القطار .
تعجب أصدقاؤه !!! وسألوه : ماحملك على مافعلت؟ لماذا رميت فردة الحذاء الأخرى؟
قال :" أحببت للفقير الذي يجد الحذاء أن يجد فردتين بد ل الواحدة  وبذلك ينتفع بهما ، فلو وجد فردة واحدة فلن تفيده ولن أستفيد أنــا من المتبقية عندي.
Share: